الثلاثاء، 24 يناير 2012

الفيدرالية الليبية ودس السمّ في العسل


د. محمد يونس:  الفيدرالية الليبية ودس السمّ في العسل

تتعالى هذه الأيام أصوات المطالبين بالفيدرالية متجاهلين في مطالبتهم بها وأحاديثهم عنها أن ألفبائية الفيدرالية هي تقسيم الدولة إلى دويلات مستقلة دستوريا واقتصاديا وإداريا، بيد أن ما يلفت الانتباه أنهم عندما يحاولون ترجمتها إلى العربية أو شرح مفهومها لا يبخلون علينا بذكر حقيقتها وهي الاتحاد، لكنهم ينزعون -في محاولة مكشوفة- إلى ذكر مزايا الاتحاد وأهميته في بناء الوطن- متناسين أن التقسيم (أو الانفصال) هو شرط أساسي لا يتحقق بدونه الاتحاد، فمثلما هو معروف في دلالة الافتراض presupposition التي هي أحد أنواع المعنى في علم الدلالة semanticsأن الخروج من الغرفة يفترض دخولها أولا، وتطليق المرأة يفترض سبق الزواج منها، فكذلك الاتحاد لا يحدث إلا بعد التقسيم، وهو السر المكتوم في دعوة الفيدراليين، وهو السم المدسوس في كلامهم، أما العسل فيبدو في دغدغة عواطف العامة بأن الفيدرالية ستوفر على المواطن من أقصى الشرق أو الجنوب أو الغرب مؤونة السفر لتجديد جواز سفره أو إجراء معاملة إدارية أخرى في العاصمة، وكأن هذا لا يحدث إلا بحلم الفيدرالية الذي سيحل كل مشاكل ليبيا بجرة قلم، في محاولة بائسة لتقديم حل سهل لمشاكل معقدة، وإجابة واحدة لأسئلة متعددة، ونسوا أو تناسوا أن حل هذا النوع من المشاكل يمكن بلوغه بما يعرف باللامركزية الجغرافية geographic decentralization واللامركزية الإدارية administrative decentralization دون اللجوء إلى مغامرة الفيدرالية التي تحمل في طياتها دعوات انفصالية صريحة يحركها توهّم بعض الجهويين الظفر بالغنيمة والرغبة الجامحة في الحصول على أكبر قدر ممكن من الثروة على حساب مناطق أخرى يرون أنها -مع كونها أفقر في مواردها من مناطقهم- تستأثر بكمّ أكبر من الثروة، ولا ندري متى حدث هذا ولا كيف حدث؟ ولاسيما إذا ما تذكرنا أن نظام القذافي كان عادلا في إفقار الشعب الليبي والمساواة بينهم في الحاجة إلى المسكن والمركوب وافتقارهم إلى الخدمات الصحية والتعليمية ومستلزمات المرافق والبنية التحتية مع تفاوت نسبي في مستوى البنية التحتية بين مناطق ليبيا المختلفة.

ولعل من أشد الردود إفحاما للفيدراليين هو سؤالهم عن الغاية التي من أجلها دفع شهداؤنا أرواحهم، هل فعلا قاتلوا من أجل تقسيم ليبيا ثم توحيدها بشكل يعد من أكثر الأنظمة الاتحادية هشاشة؟ وهل صمدت مصراتة وتحمّلت القصف والدمار والاغتصاب والإبادة من أجل تفتيت وحدة ليبيا؟ وهل خرج المتظاهرون في طرابلس يوم 20 فبراير (وهم يهتفون بالروح بالدم نفديك يا بنغازي ويفقدون في تلك المظاهرة المئات من خيرة شبابها) ليرسّخوا مبدأ تقسيم الدولة إلى كيانات هشة. وهل فقْدنا لعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المفقودين ومثلهم من الجرحى في بنغازي وطبرق ودرنة والبيضاء وإجدابيا وسرت ومصراتة وزليطن وطرابلس والزاوية وزوارة والجبل الغربي وسبها من أجل أن نبعثر بلدنا إلى أقاليم ذات استقلال نسبي ثم نحاول لمّ أشلائها في كيان فضفاض نسميه الفيدرالية؟ ثم كيف نضمن أن الفيدرالية لن تصبح سبيلا ممهدا لقيام دويلات مستقلة وربما متخاصمة؟

لقد حاول مناصرو الفيدرالية أن يقنعونا أننا في حاجة إلى هذا الاتحاد لكي نرقى إلى مستوى الدول المتقدمة التي سبقتنا إلى الفيدرالية كاستراليا والنمسا وأمريكا وكندا، وكأن الفيدرالية هي العامل الحاسم في تقدم تلك الدول، وهم في ذلك كمن يذهب إلى القول بأن تلك الدول إنما تقدمت لأن شعوبها تشرب الخمر، وإلا –أي إذا كانت الفيدرالية هي سبب تقدمها- فما الذي منع دولا فيدرالية أخرى مثل نيجيريا وأثيوبيا وجزر القمر من تحقيق ما حققته تلك الدول؟ وهل لو لم تكن تلك الدول فيدرالية بل كانت موحّدة تاريخيا وعرقيا وجغرافياودينيا ستكون أقل تقدما؟

كما حاول الفيدراليون إقناعنا بأن ليبيا في حاجة إلى الفيدرالية ونسوا أو تناسوا أن أشهر منظري الفيدرالية وهو الإنجليزي ألبرت دايسي يرى أن ثمة "شرطين لتشكل الدولة الفيدرالية:

أولهما هو وجود عدة دول وثيقة الارتباط بعضها ببعض محلياً وتاريخياً وعرقياً الأمر الذي يجعلها قادرة على أن تحمل- في نظر سكانها- هوية وطنية مشتركة. والشرط الثاني هو الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلال كل دولة في الاتحاد (1)

وما يفهم من هذا الاقتباس أن الاتحاد الفيدرالي إنما يحدث بين دول أو دويلات أو أمارات مستقلة وجدت أن لديها بعض المقومات التاريخية أو العرقية التي تؤهلها للتقارب في هوية وطنية موحّدة، مع تصميم وحرص واضح على الاحتفاظ باستقلال كل دولة من دول الاتحاد.

وبناء على ما سبق أقول أين هذه الدول التي نريد أن نوحدها في ظل فيدرالية ليبية؟، وأي من هذه الدول التي ستحرص على المحافظة على استقلالها وتخشى من الذوبان في كيانات أخرى؟ أهي طرابلس أم بنغازي أم الزاوية أم طبرق أم سبها أم غريان؟

وأخيرا أقول إننا قد نكون في حاجة إلى العودة إلى التقسيم الإداري الذي كان معمولا به في العهد الملكي وهو نظام المحافظات العشر؛ لأنه يضمن لنا أولا تجنب النزاع الذي قد ينشأ عن استحداث أي تقسيم إداري جديد، مع إعطاء تلك المحافظات صلاحيات إدارية واقتصادية واسعة في إدارة المرافق المحلية وفي الوقت نفسه المحافظة على مركزية الدولة في مجال دخل المواطن والثروات القوميّة، والخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء والمياه، وبذلك نتجنب مثالب المركزية والفيدرالية، ونجمع بين مزاياهما.

د محمد يونس

هناك تعليق واحد:

  1. معلومات خاطأه لان الفيدراليه ليس تقسيم ليبيا دوله وستظل دوله واحده ولكن الفيدراليه معناها ان نجعل لمدينه بنغازى رئيس ولطرابلس رئيس ولـ..... الخ ملاحظه:- يجب تحسين المعلومات قبل الكتابه والنشر يا اخ

    ردحذف